كوفيد-19 وتأثيره على الاقتصاد العالمي

تجاوز عدد الحالات المؤكدة من فيروس كورونا المستجد (Covid-19) 000 115 حالة حتى تاريخ 10 آذار ومن المحتمل أن يزداد هذا العدد بشكل ملحوظ، وقد ظهر الفيروس لأول مرة في الصين في نهاية العام الماضي. ورغم وجود أكثر من ثلثي مجموع الحالات المؤكدة في بر الصين الرئيسي، إلا أن الغالبية العظمى من الحالات الجديدة المُبلغ عنها منذ 25 شباط وقعت خارج البلاد. وقد أصبح هذا الفيروس أزمة عالمية بعد أن كان يُنظر إليه بوصفه صدمة مركزها الصين بشكل كبير. وللأسف يُظهر انتشار الفيروس صحة السيناريوهات السلبية التي توقعها المحللون؛ على سبيل المثال، سعي المستثمرين لاستيعاب آثار تعطل سلاسل الأمداد، وتدابير الاحتواء الرسمية، والآثار غير المباشرة للاقتصاد الحقيقي على أسواق المال. والواقع أن القرار الذي اتخذه اثنين من أكبر منتجي الطاقة في العالم بالإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية، بالرغم من هبوط أسعار الطاقة كان سبباً في زيادة قلق المستثمرين في حين ظلت التساؤلات قائمة حول قدرة الحكومات على تشكيل استجابة فعّالة ومنسقة. وقد أدى تزايد عدم اليقين إلى تقلب الأسواق المالية، الأمر الذي لم يحدث منذ الأزمة المالية العالمية.

السؤال الأول: ماذا سيكون تأثير كوفيد-19 (COVID-19) على الاقتصاد؟

الإجابة الأولى: سيتوقف حجم الضرر على مدى سرعة احتواء الفيروس، والخطوات التي تتخذها السلطات لاحتوائه، ومقدار الدعم الاقتصادي الذي ترغب الحكومات في تقديمه في أثناء التأثير المباشر للوباء وتبعاته. والواقع أن المؤشرات الأولية لتأثير كوفيد-19(covid-19) على الاقتصاد الصيني أسوأ مما كان متوقعًا في البداية، فقد أظهرت الدراسات الاستقصائية هبوط قطاع التصنيع والخدمات في الصين إلى مستويات قياسية في شباط، وانخفاض مبيعات السيارات إلى مستويات غير مسبوقة بلغت 80%، وانخفاض الصادرات إلى 17.2% في شهري كانون الثاني وشباط. وأكدت البيانات الرسمية حدوث تباطؤ كبير في النشاط الاقتصادي ينذر، من بين مؤشرات أخرى غير رسمية،  بهبوط حركة النقل البحري وانخفاض مستويات التلوث. ويُخضع المحللون التقديرات المنخفضة لنمو الاقتصاد الصيني لمراجعات كبيرة، إذ يتنبأ الكثير منهم الآن بانخفاضٍ في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول، وهو أول انكماش منذ بدأت الصين الإبلاغ عن البيانات الفصلية عام 1992، ومع انتشار كوفيد-19 (COVID-19)، فإن التعافي الاقتصادي في الصين سيواجه تحديات مع انخفاض الطلب من الدول الأخرى التي تتصدى بدورها للفيروس.

وعلى ما يبدو فإن تفشي فيروس كوفيد-19 (COVID-19) بدأ يتباطأ في الصين، لكنه يأخذ منحىً عالمياً من ناحية انتشاره وآثاره، إذ تتزايد العدوى بهذا المرض في أوروبا وكوريا الجنوبية وإيران والولايات المتحدة وأماكن أخرى، حيث تنفذ السلطات هناك المزيد من التدابير المقيِدة لاحتواء الفيروس. ويُرجح أن تعاني كلاً من أوروبا واليابان من الركود الآن نظراً لضعف أدائهما في الربع الأخير واعتمادهما الكبير على التجارة. وبينما دخلت الولايات المتحدة الأزمة برياح مواتية، يتوقع بعض المحللين حدوث انكماش في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثاني. وتتفاوت تقديرات الأثر العالمي للفيروس: ففي أوائل الأسبوع الماضي، تنبأت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن كوفيد-19 (COVID-19) سيخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار نصف نقطة مئوية عام 2020 (من 2.9 إلى 2.4 في المائة)؛ ويحذر موقع ( بلومبرغ أيكونومكس) من أن نمو الناتج المحلي الإجمالي على مدى عام كامل قد يهبط إلى الصفر في أسوأ سيناريو للوباء.

السؤال الثاني: ما هي القطاعات والاقتصادات الأشد تأثراً؟

الإجابة الثانية: يولد تفشي كوفيد-19 صدمات في العرض والطلب تتردد أصداؤها عبر الاقتصاد العالمي. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تنقيحات تخفيضية للنمو هي الأكبر في بلدان شديدة الترابط مع الصين، وخاصة اقتصادات دول كبرى مثل كوريا الجنوبية وأستراليا واليابان. وستواجه الاقتصادات الأوروبية الكبرى اضطرابات مع انتشار الفيروس وتبني البلدان الأوربية لاستجابات تقييدية تحد من نشاط التصنيع في المراكز الإقليمية ومن ضمنها شمال إيطاليا. ونتيجة لتراجع النشاط، فإن الأمم المتحدة تتوقع أن تنخفض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين 5 و15% لتصل أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009.

وعلى صعيد القطاعات، ستكون صناعة السياحة والصناعات المتصلة بالسفر من بين القطاعات الأكثر تضرراً لأن السلطات تشجع “التباعد الاجتماعي” لإبقاء المستهلكين في منازلهم. ويحذر الاتحاد الدولي للنقل الجوي من أن كوفيد-19 (COVID19) قد يكلف شركات النقل الجوي العالمية ما بين 63 و113 مليار دولار من الإيرادات عام 2020، وقد تخسر سوق الأفلام الدولية أكثر من 5 مليارات دولار بسبب انخفاض مبيعات شباك التذاكر. وكذلك هبطت أسهم شركات الفنادق الكبرى في الأسابيع القليلة الماضية، وتتوقع شركات الترفيه العملاقة مثل (ديزني) ضربة قوية للإيرادات، كما ستتعرض المطاعم والمناسبات الرياضية وغيرها من الخدمات لاضطراب كبير، لكن الصناعات الأقل اعتماداً على التفاعل الاجتماعي الكبير، مثل الزراعة، ستكون أقل تأثراً نسبياً، لكنها مع ذلك ستواجه تحديات مثل تقلب الطلب.

السؤال الثالث: ما هي العلاقة بين الاقتصاد وقطاع الطاقة؟

الإجابة الثالثة: يؤدي التباطؤ الاقتصادي عموماً لانخفاض الطلب على الطاقة، وأثبتت تداعيات كوفيد-19 (COVID-19) صحة ذلك. وغالباً ما يستجيب المنتجون لتراجع الطلب بتخفيض العرض لرفع الأسعار. وفي الأسبوع الماضي، اجتمع أعضاء من منظمة البلدان المصدرة للنفط (OPEC) وبعض كبار منتجي النفط الآخرين لمناقشة تخفيضات إضافية بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً حتى نهاية حزيران استجابة لتفشي الفيروس. وعندما انهار الاتفاق، خفضت المملكة العربية السعودية الأسعار ورفعت الانتاج بدعوى الإضرار بروسيا لرفضها الموافقة على خفض الإنتاج. وفي أعقاب القرار السعودي هبط خام برنت بأكثر من 20%، وهو الهبوط الأشد حدة في يوم واحد منذ عام 1991، ويتوقع المحللون المزيد من الهبوط في المستقبل. والواقع أن الأضرار الناجمة عن حرب الأسعار السعودية الروسية تبعث بإشارة مقلقة إلى الأسواق المتعطشة إلى استجابة سياسية منسقة للوباء، وخاصة في ضوء الدور الحالي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية كرئيس لمجموعة العشرين.

ولمواجهة صدمة الأسعار، بإمكان كبار منتجي النفط، بما في ذلك الشركات الأمريكية، تقليص الاستثمار والإنتاج تدريجياً؛ لأن الشركات المثقلة بالديون تتعرض بشكل خاص لخطر تسريح موظفيها، وعمليات الدمج، بل وحتى الإفلاس. ويدرك المستثمرون جيداً أن شركات الطاقة تمثل أكثر من 11% من سوق العائد المرتفع (أقل من التصنيف الاستثماري) في الولايات المتحدة، علماً بأن ترحيل الديون والترتيبات المالية أو تمديدها تكاد تكون مستحيلة في ظل ظروف السوق الحالية. ومن الناحية النظرية، فإن انخفاض أسعار النفط من شأنه أن يساعد البلدان المستوردة للنفط، لكن قلة النشاط بسبب كوفيد-19(COVID-19) قد يحد من هذه المنفعة؛ أضف إلى ذلك، أن الطفرة في الإنتاج المحلي للطاقة في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة تعني أن الولايات المتحدة من المحتمل أن تعاني من خسائر مالية بسبب هبوط الأسعار على نحو لم يسبق له مثيل في الانكماشات الاقتصادية السابقة.

السؤال الربع: كيف يؤثر التباطؤ الاقتصادي على أسواق المال؟

الإجابة الرابعة: انتشرت المخاوف من انتشار أوسع وأثره الاقتصادي على الأسواق المالية في الشهر الماضي ، وتقترب معظم المؤشرات الدولية من منطقة السوق الهابطة (حيث انخفضت بنسبة 20 في المائة على الأقل من أعلى مستوى في 52 أسبوعًا) حيث يعالج المستثمرون الأرباح المنخفضة للشركات والتي ستنتج عن فيروس. هبط مؤشر ستاندرد آند بورز500 بنسبة 7% ليفتتح جلسة 9 آذار باتخاذ إجراء “قاطع التداول” الذي علق التداول لفترة وجيزة لأول مرة منذ عام 1997.

 

وبشكل عام، انخفض المؤشر بنحو 17% عن أعلى مستوى سجله في 19 شباط. وفي خضم انهيار الأسهم، لجأ المستثمرون إلى ملاذ آمن للأصول مثل سندات الخزانة الأمريكية، مما أدى إلى انخفاض العائدات بشكل غير مسبوق. ويفيد انخفاض العائدات الحكومة الأمريكية بالحصول على تكاليف اقتراض منخفضة، لكن أسعار الفائدة المنخفضة قد لا تفيد الشركات الخاصة أو الأفراد (أو حتى جميع الجهات السيادية) الذين قد يجدون في الأسواق المالية مجازفة شديدة تحول دون تقديم الائتمان في ضوء عدم اليقين هذا. وكلما طال انتشار الفيروس، كلما زاد تأثر الأداء الاقتصادي وأداء الشركات، الأمر الذي يثير المخاوف بشأن القدرة على تحمل الدين في غياب الدعم الرسمي، وخاصة للبلدان والشركات المثقلة بالديون.

السؤال الخامس: كيف استجابت الحكومات لتخفيف الآثار الاقتصادية المترتبة على الوباء؟

الإجابة الخامسة: أعلنت حكومات الدول حتى الآن عن استجابات وطنية غير منسقة لهذا الفيروس. في الصين، التي كانت مركز تفشي الوباء، أعلن المسؤولون عن تقديم المليارات على شكل قروض لأغراض معينة إلى شركات تواجه قيوداً على السيولة فضلاً عن تقديم الدعم المالي لقطاعات محددة مثل الطيران.

وفي الولايات المتحدة، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة في إجراء طارئ في الثالث والتاسع من آذار، كما نسق جهوده مع الجهات التنظيمية المصرفية الأخرى في الولايات المتحدة لتشجيع المؤسسات المالية على “تلبية الاحتياجات المالية للعملاء والأعضاء المتأثرين بفيروس كورونا”، وهي خطوة تهدف إلى دعم الأوضاع المالية لمنع صدمة النمو من التحول إلى أزمة مالية أوسع نطاقاً. وفي 9 آذار، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أيضاً عن توسيع عمليات إعادة شراء لليلة واحدة بنحو ٥٠ مليار دولار أميركي لتجنب ضائقة ائتمانية أشد عمقاً.

ومن المتوقع أن يتخذ البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا إجراءات عندما تجتمع لجنتا السياسة النقدية في وقت لاحق من هذا الشهر. وعلى الصعيد المالي، ناقش الرئيس ترامب خطط إدارته الرامية إلى السعي إلى خفض الضرائب على الرواتب وتقديم المساعدة إلى العمال الذين يعملون بنظام الساعات والصناعات المتأثرين بالفيروس. ومن بين البلدان التي أعلنت عن تدابير إنفاق مالية هذا الشهر اليابان (9.6 مليار دولار، أو 0.19% من الناتج المحلي الإجمالي)، وكوريا الجنوبية (9.2 مليار دولار، أو 0.56% من الناتج المحلي الإجمالي)، وإيطاليا (4.1 مليار دولار، أو 0.20% من الناتج المحلي الإجمالي). وستتوقف كفاءة هذا الإنفاق على مسار الفيروس، وعلى فعالية التدابير الأخرى لاحتواء الآثار السلبية الناجمة عن صدمة النمو.

وفي إطار تنسيق الجهود، تعهد وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظو البنوك المركزية في 6 آذار باتخاذ تدابير مالية ونقدية “مناسبة” لكنهم لم يتعهدوا بالتزامات محددة. وفي مكالمة هاتفية أجريت في 3 آذار، أكد وزراء مالية مجموعة الدول السبع مجدداً “التزامهم باستخدام جميع أدوات السياسة العامة،” لكنهم لم يحددوا خطوات محددة. وقد أعلن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الأسبوع الماضي عن إتاحة تمويل بلغ 50 مليار دولار و12 مليار دولار على التوالي لدعم استجابات اقتصادات الدول ذات الدخل المحدود والأسواق الناشئة للتصدي للفيروس.

ليس لدى العلماء حتى الآن فهم واضح لسلوك الفيروس، ومعدل انتقاله، وإلى أين يمكن أن تصل عدواه؛ وسيكون الغموض الذي يحيط به جزءً من المشهد في المستقبل المنظور، إلا أن توافر استجابات تتبنى سياسة متسقة ومنسقة وذات مصداقية تشكل الفرصة الأفضل للحد من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن المأساة الإنسانية المحزنة التي يخلفها هذا الفيروس حالياً.

عنوان المقال الأصلي:The Global Economic Impacts of COVID-19
المؤلف:Stephanie Segal /Dylan Gerstel
مكان النشر والتاريخ: 

Center for Strategic and International Studies, March 10, 2020

رابط المقال: 

https://www.csis.org/analysis/global-economic-impacts-covid-19

ترجمة:وحدة الترجمة والتعريب

عن أ.فراس أبو عدل

حاصل على ماجستير في الترجمة السمعية والبصرية، مدرس في الجامعات السورية.

شاهد أيضاً

خطاب التهديد الإلهائي في وسائل الإعلام الاستبدادية

لطالما زعم الباحثون أنَّ القادة يتلاعبون بالسياسة الخارجية، بل ويشنونَ الحروب أحيانًا من أجل تعزيز …