حق التدخل لصالح الإنسانية ( الحالة السورية نموذجاً لشرعيته )

يكون التدخل لصالح الإنسانية عندما تمارس الدولة على مواطنيها الأعمال البربرية من قتل وتدمير وتهجير واضطهاد وعنف، إذ في هذه الإحوال يُثار التساؤل حول مدى شرعية  تدخل دولة أو عدة دول – و بالقوة المسلحة – في شؤون تلك الدولة لحماية الأفراد فيها.

والحالة السورية تعدّ نموذجاً واقعياً ومجالاً لتطبيق حق الدفاع أو التدخل لصالح الإنسانية ، فتعامل نظام الحكم في سورية مع أفراد الشعب بهمجية ممنهجة من قتل وتشريد وتدمير، يستدعي طرح موضوع التدخل لصالح الإنسانية بطريقة أخرى خلاف الطريقة التي ينظر إليها الفكر التقليدي الذي كان حبيس النصوص، ويستدعي في الوقت ذاته قراءة جديدة لنصوص ميثاق الأمم المتحدة .

وعلى الرغم من أن هناك جانب من الفقه يرى أن التدخل لصالح الإنسانية يتعارض مع بعض المبادئ في القانون الدولي، مثل فكرة السيادة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومع المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة التي تقرر أن استخدام القوة المسلحة في مواجهة أية دولة لا يكون إلا بقرار من مجلس الأمن، إلا أن جانب آخر من فقهاء القانون الدولي –  ممن يعتد برأيه – يرى أن التدخل لصالح الإنسانية يُعدّ مبرراً في الحالات التي تتنكر فيها الدولة للحقوق الإنسانية لمواطنيها. فالدولة التي تمارس أسلوب القتل والتدمير والتشريد على من هم تحت سيادتها تكون قد آذت بعملها شعور الإنسانية جمعاء، وتكون في الوقت نفسه قد سمحت من تلقاء ذاتها بالتدخل في شؤونها من أية دولة، ويكون هذا التدخل مشروعاً ومبرراً .

 

– الأساس القانوني لمشروعية التدخل لصالح الإنسانية

يقوم التدخل لصالح الإنسانية من حيث تبريره ومشروعيته على أساسين : الأول العدالة العليا، والثاني تعاظم فكرة الفرد في القانون الدولي وتآكل فكرة سيادة الدولة .

أولاً – العدالة العليا

بالنسبة للعدالة العليا نجد أن القانون الدولي وفقاً للنظرية السائدة حالياً، ليس نابعاً عن الإرادة التحكمية للدول، بل هو مؤسس على طبيعة الانسان ومبني من الناحية العملية على العدالة و الأخلاق، وحيث اقتضت العدالة التدخل إنسانياً فالتدخل يكون مبرراً ومشروعاً، فالعدالة والأخلاق فوق إرادة الدول وفوق إرادة الحكومات.

ثانياً تعاظم دور الفرد في القانون الدولي وتآكل فكرة سيادة الدولة

1 تعاظم دور الفرد في القانون الدولي

بالنسبة لفكرة تعاظم دور الفرد على المستوى  الدولي فهي إحدى أهم تطورات القانون الدولي والعلاقات الدولية، فالفرد لم يعدّ شخصاً وطنياً فحسب بل أصبحت فكرة الفرد مشبعة بالأبعاد الدولية، لذلك أصبح الاعتراف بحقوق الإنسان وحماية تلك الحقوق موضوعياً وإجرائياً إحدى أهم دعامات القانون الدولي في العصر الحديث .

والاهتمام بالشخص الإنساني اتخذ مظاهر متعددة على مستوى المواثيق الدولية، ففي ميثاق الأمم المتحدة أقرت الدول فكرة احترام حقوق الإنسان وحمايتها كأساس لدستورها ( الفقرة الثالثة من المادة الأولى من الميثاق )، وكذلك ظهرت فكرة الشخص الإنساني بشكل أوضح في الإعلان العالمي لحقوق لعام 1948، إلى غير ذلك من العهود والمواثيق الدولية التي كرست مفهوم حقوق الإنسان وتولت حمايتها وارتقى  الفرد بموجبها من المستوى الوطني إلى المستوى الدولي .

ولم تتوقف قواعد القانون الدولي عن التطور باتجاه الشخص الإنساني فقد أسفر التطور الذي طرأ على  قواعد القانون الدولي إلى تقديم الحماية الجنائية الدولية لحقوق الإنسان، بحيث أصبح كل انتهاك لحق من تلك الحقوق، وضمن ضوابط معينة، يشكل جريمة دولية تتخذ إما صورة الإبادة الجماعية أو إحدى جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية وذلك وفق نظام المحكمة الجنائية الدولية الذي تم إقراره في روما عام 1998 و دخل حيز التنفيذ عام 2002 .

2 – تآكل فكرة سيادة الدولة لصالح مبادئ حقوق الانسان

ترتب على اهتمام القانون الدولي بالفرد وتدويل مركزه القانوني ليصبح مركزاً دولياً  تآكل فكرة سيادة الدولة المطلقة على مواطنيها، وما نظام المحكمة الجنائية الدولية وعدم اعتدادها بالحصانة بالنسبة للرؤساء وأصحاب المناصب السياسية والعسكرية  إلا دليلاً على تآكل فكرة السيادة لصالح الشخص الإنساني، فقد أصبحت الإنسانية فوق كل سيادة.

-حق التدخل لصالح الإنسانية لا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة

الأصل أن استخدام القوة المسلحة طبقاً لميثاق الأمم المتحدة لا يكون إلا بقرار من مجلس الأمن بوصفه المكلف بحفظ السلم والأمن الدولي ( المادة 42 من الميثاق )، وعلى الرغم من وجود هذا النص إلا أنه ليس إلا قيداً اجرائياً لا يؤثر على  وجود انتهاك الدولة الجسيم لحقوق مواطنيها  ولا على تكييف  ذلك الانتهاك .

إذ أن مجلس الأمن قد لا يتخذ القرار بالتدخل الإنساني أو قد يعجز عن اتخاذ مثل هذا القرار نتيجة اختلاف مصالح أو سياسات  (دول الفتيو)، وعدم اتخاذ القرار أو العجز عن اتخاذه ، لا يحول دون إرساء قواعد ميثاق الأمم المتحدة بطريقة قانونية صحيحة، ويكون ذلك بإجازة التدخل دفاعاً عن الانسانية، خاصة إذا كانت الانتهاكات المرتكبة من قبل الدولة بحق مواطنيها تدخل في إطار الفظائع التي تهدد السلم و الأمن الدولي، كما يفعل النظام السوري بحق الأبرياء من شعبه، وبالتالي فإن تدخل أية دولة في سورية يكون مشروعاً ومبرراً وفقاً للميثاق ويكون تطبيقاً عملياً للتدخل دفاعاً عن الانسانية ، حتى وإن لم يكن ثمة قرار من مجلس الأمن يسمح بهذا التدخل .

-حق التدخل لصالح الإنسانية يتسق مع ميثاق الأمم المتحدة صراحة

اذا كان التدخل لصالح الإنسانية لا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة من حيث إمكانية استخدامه دون قرار من مجلس الأمن، فإن التدخل لصالح الإنسانية يتفق مع روح الميثاق ويتسق معه، فالفقرة الثالثة من المادة الأولى من الميثاق تنص على ضرورة تعزيز احترام حقوق الانسان وحرياته وتشجع على ذلك بدون تمييز، وما دام قد ورد هذا النص في الميثاق فلا بدّ من الاعتراف بشرعية أي تدخل على أساس الإنسانية ولو كان فردياً دون الرجوع إلى مجلس الأمن، وبذلك يكون هذا التدخل متفقاً مع روح الميثاق ومتسقاً معه صراحة .

-التدخل لصالح الانسانية لا يتعارض مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول

ينبغي إدراك الفارق بين التدخل دفاعاً عن الإنسانية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، فالأول مبني على وقائع يقينية لا يرقى إليها الشك وهي الانتهاكات  الجسيمة من قبل الدولة بحق مواطنيها، والتي تدخل في عداد الجرائم الدولية التي نص عليها نظام المحكمة الجنائية الدولية، أما الثاني فهو في الأعم الأغلب مبني على وقائع لا تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وحرياته، كالخلافات السياسية أو الاقتصادية أو المالية. ومما يؤكد أن التدخل لصالح الإنسانية متسق مع الميثاق أن البعض يتخوف من أن يساء استعمال هذا الحق، بحيث يتخذ ذريعة للتدخل في شؤون الدول، وهذا يعني أنه لو زال هذا التخوف لما تردد المتخوفون من إقراره وتأييده. ولا شك أن هذه الشبهة تزول حتماً إذا كان الانتهاك الواقع من الدولة على مواطنيها من الجسامة بحيث تتأذى منه الإنسانية جمعاء، وهذا ما هو متحقق في سورية، إذ أن كم الجرائم المرتكبة ونوعيتها  وجسامتها مما تأذت منه الإنسانية فعلاً، وارتكاب تلك الانتهاكات من قبل النظام السوري أمر يقيني و ليس محلاً للشك ، وإثباته أمر لا يحتاج إلى دليل .

وأخير إذا كان التدخل لصالح الإنسانية مرتبط بجسامة انتهاك الدولة لحقوق مواطنيها، فإن هذه الجسامة متحققة في الحالة السورية، حيث بلغت في جسامتها حد الفظائع التي  لم تعدّ تحتمل الاختلاف الفقهي، بل أصبح التدخل دفاعاً عن الانسانية – في الحالة السورية – ليس مبرراً فحسب بل هو واجب دولي وأخلاقي ليس بحاجة لأي اجراء يسبقه.

 

 

عن د.عبد القادر الشيخ

أستاذ دكتور في الحقوق، مدرس في عدد من الجامعات السورية، له عدة مؤلفات في القانون.

شاهد أيضاً

السمات الأساسية للحكم الانتقالي: مع الإشارة إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254

يُعدُّ الحكم الانتقالي نوعاً من الحكم يظهر إلى الوجود كسلطة يفرضها الواقع في الدول التي …