شهر المحاسبة… والوعود الأميركية بعدم الإفلات من العقاب في سوريا

توعدت السفارة الأميركية في دمشق نظام بشار الأسد بالمحاسبة على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى أن الإفلات من العقاب في سوريا سينتهي، وأطلقت السفارة عبر معرفاتها على مواقع التواصل الاجتماعي في بداية آذار/مارس وسم “آذار شهر المحاسبة” و“March To Accountability” باللغة الإنكليزية، الأمر الذي دفع بعض المتابعين للملف القانوني في سوريا إلى التكهن بأن لدى الإدارة الأميركية إجراء جديد ستتخذه ضد نظام بشار الأسد.

مع ذلك، انتهى شهر المحاسبة ولم يحدث أي تطور سياسي أو قانوني يستحق الذكر في الملف السوري، باستثناء اجتماع دوري لمجموعة “أصدقاء سوريا” المصغرة في واشنطن في الرابع من آذار/مارس حضره ممثلون عن 11 دولة، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن. وعبرت المجموعة في نهاية اجتماعها عن التزامها بالسعي من أجل التوصل إلى حل سياسي للثورة السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254. كما دعت المجموعة في بيان نشرته وزارة الخارجية الأميركية، إلى وقف إطلاق نار شامل في سوريا، مؤكدة أنه مع اقتراب الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية نعترف باستمرار معاناة الشعب السوري، وهو أمر غير مقبول ويجب أن ينتهي. كما شددت المجموعة على أهمية الوصول دون عوائق إلى المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة من خلال جميع الطرق، بما في ذلك من خلال إعادة الإذن بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود ومواصلة مشاريع الإنعاش أو التعافي المبكر.

إلى جانب ذلك عقد نائب مساعد وزير الخارجية المبعوث الخاص إلى سوريا، إيثان غولدريتش سلسلة من الاجتماعات مع مبعوثي الدول بشأن العملية السياسية في سوريا في مدينة جنيف، على هامش اجتماعات الجولة السابعة للجنة الدستورية السورية، حيث بحث مع المبعوثة النرويجية الخاصة الى سوريا هيلدا هارالدستاد، والمسؤول الكندي لشؤون سوريا راستا داي، ورئيس قسم سوريا في الخارجية التركية السفير سلجوق أونال، والمنسق الخاص لسوريا في الخارجية اليابانية أكيرا اندو، والمبعوث الهولندي الخاص لسوريا إميل دي بونت، كل على حدة استراتيجيات التحرك نحو حل سياسي للصراع السوري بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

من جانبها قالت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن “لدينا التزام بالعمل، لا تعتبر المساءلة ضرورية لتحقيق العدالة التي طال انتظارها للضحايا وعائلاتهم فحسب، ولكنها أيضاً أساسية لبناء الثقة في العملية السياسية الأوسع، على النحو الذي دعا إليه القرار 2254”.

وهذا يعني أن شهر المحاسبة لم يحصد إلا التصريحات التي اعتاد المسؤولون الأميركيون على اطلاقها منذ أكثر من عشر سنوات دون أي بارقة أمل للضحايا في الاقتصاص من بشار الأسد ونظامه، بل ما حدث ربما العكس، فنظام الأسد استطاع كسر العزلة التي فرضها عليه المجتمع الدولي، وقام بزيارة خارجية إلى دولة عربية لأول مرة منذ عام 2011، حصل خلالها على وعود بإعادته إلى الحاضنة العربية من بوابة قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها في الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

ولمواجهة المأزق الذي وصل إليه ملف المحاسبة في سوريا ولمنع إفلات المجرمين من العقاب، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2016 بالقرار A/71/248، الآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ عام 2011، وهي جهة ميسرة تعمل من أجل المساءلة عن الجرائم الدولية الأساسية، ولا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا.  والمحاكمات رغم أهميتها، تظل عرضية وانتهازية حيث استهدفت المشتبه بهم المرتبطين بجماعات المعارضة – وعناصر داعش – وليس أفراد النظام السوري. وبالنظر إلى حقائق التحقيق والادعاء العام، فإن القضايا في مجملها لا تمثل النطاق الكامل للجرائم الدولية التي اُرتكبت في سوريا.

الطريق الآخر الذي يعتبر أكثر أهمية في طريق المحاسبة في سوريا ولكنه يسير ببطء شديد، هو ما تقوم به منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لها، حيث وثقت آلاف الأدلة المتعلقة باستخدام غازات وأسلحة كيماوية في سوريا، وحتى الآن أصدر فريق التحقيق وتحديد الهوية تقريرين أشارا بوضوح إلى تورط النظام السوري في استخدام الأسلحة الكيماوية في عدة مواقع في سوريا راح ضحيتها العشرات من المدنيين.

وسام الدين العكلة، دكتوراه في القانون الدولي العام

عن د.وسام الدين العكلة

شاهد أيضاً

بعد إفلاتهم في سوريا … هل سيخضع القادة الروس للمساءلة عن جرائمهم في أوكرانيا؟

يبدو أن مصطلح “العدالة ليست للجميع” مخصص فقط للشعب السوري الذي فقد مئات الآلاف من …

اترك تعليقاً