الدولة السورية بين الجمهورية الرئاسية والجمهورية البرلمانية ونظام حكومة الجمعية

لا شك أن هذا المقال سابق في أوانه لمقال آخر يوجب تحديد مفترضات كتابة الدستور وخطوات العملية الدستورية، بحيث يتم تناول تلك المفترضات أولاً، ولكن ارتأينا أن نتناول في هذا المقال طبيعة نظام الحكم المقترح للدولة السورية، على أن يعقب ذلك مقال أو بحث خاص لتناول تلك المفترضات .

تقتضي دراسة طبيعة نظام الحكم المقترح للدولة السورية تحديد وتحرير العديد من القضايا الإشكالية التي يثار حولها الجدل في الأوساط السياسية والدستورية الداخلية، وسنقتصر في هذا المقال على دراسة قضية واحدة، يترتب على حسمها حسم الكثير من القضايا الاشكالية الفرعية المترتبة عليها،  تجمل هذه القضية  في الإجابة على التساؤل التالي؛ هل من المناسب أن يتبنى الدستور السوري المرتقب النظام الجمهوري الرئاسي أم النظام الجمهوري البرلماني، أم نظام حكومة الجمعية. 

تقسم الأنظمة السياسية منظوراً إليها من زاوية الفصل بين السلطات، أي من حيث ما يقوم بينها من علاقات وروابط  إلى ثلاثة أنظمة، فإذا كانت الغلبة والمكانة الأعلى للسلطة التنفيذية سمي النظام رئاسياً، وإذا كانت الهيئة التشريعية هي المهيمنة على غيرها من الهيئات سمي النظام نظام حكومة الجمعية، وأخيراً إذا قامت العلاقات بين السلطات على أساس المساواة والفصل المشرّب بالتعاون كان النظام برلمانياً.

أولاً- النظام الرئاسي ( مساوئ النظام ترجح محاسنه )

يقوم النظام الرئاسي على أساسين: الأول-رئيس الجمهورية هو صاحب السلطة التنفيذية الفعلية، والثاني-شدة القصل بين السلطات، ولا شك أن مساوئ النظام الرئاسي ترجح محاسنه ولا يحسن الأخذ به في سورية للأسباب الآتية :

أ–لأن النظام الرئاسي يجمع السلطات التنفيذية الخطيرة في يد رئيس الجمهورية، إذ أن رئيس الجمهورية يجمع بين رئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة ورئاسة القوات المسلحة ورئاسة حزبه، وهذه سلطات واسعة تنذر بدكتاتورية سافرة ولا عاصم منها إلا تربية سياسية قوية ونضوج ديموقراطي غير مألوف، وهذا غير متحقق في سورية في المرحلة الحالية.

ب–لأن النظام الرئاسي نجح في الولايات المتحدة ولم ينجح في غيرها من الدول لأسباب محلية خاصة بها، وذلك حتى يتمكن الرئيس من التغلب على النزعات الانفصالية التي كانت سائدة عند تكوين الاتحاد، وبعد استقرار النظام الفدرالي لم يلبث النظام الرئاسي في الولايات المتحدة أن تطور نحو النظام البرلماني، واقتربت السلطتان التنفيذية والتشريعية إحداهما من الأخرى.

ج–لأنه يقوم على أساس الفصل التام بين السلطات وهو ما لا يمكن تحقيقه عملاً، بالإضافة إلى خطورة هذا الفصل، وإذا كان هذا النظام قد نجح في الولايات المتحدة، فلأن الواقع العملي أفرز آليات للتعاون بين السلطات قربها من النظام البرلماني .

ثانياً – حكومة الجمعية

يطلق على نظام حكومة الجمعية نظام اندماج السلطات أو النظام المجلسي، وتندمج فيه السلطتان التشريعية والتنفيذية في يد الجمعية النيابية، وهذا الاندماج يكون لصالح السلطة التشريعية، لأن الجمعية النيابية صاحبة الوظيفة التشريعية تباشر أيضاً وظيفة التنفيذ.

أ – عدم تبني نظام حكومة الجمعية كنظام دائم أو نظام استقرار:

ونظام حكومة الجمعية لا يحسن الأخذ به في سورية  كنظام دائم، لأنه لا يحقق الحد الأدنى اللازم من الفصل بين السلطات ولا يضع حدوداً دستورية لسلطان الهيئة المنتخبة.

ب – تبني نظام حكومة الجمعية كنظام مؤقت أو نظام انتقال

على الرغم من نظام حكومة الجمعية لا يصلح كنظام استقرار للدولة السورية، إلا أنه يصلح كنظام مؤقت أو نظام انتقال، فحكومة الجمعية تجمع السلطات في يدها ( خاصة التشريعية والتنفيذية ) إلى حين وضع دستور جديد، والجمعية إما أن تباشر السلطتين بنفسها أو أن تختار عدداً  قليلاً من الأشخاص لمباشرة السلطة التنفيذية تحت اشرافها التام ومراقبتها، وللجمعية دائماً حق عزل الأشخاص الذين كلفتهم بالمهام التنفيذية.

ثالثاً– النظام البرلماني (محاسنه ترجح عيوبه)

أ– النظام البرلماني هو الذي يجدر الأخذ به في سورية

النظام البرلماني هو النظام الذي يحسن الأخذ به في سورية، وهو النظام الذي يسود أغلب الدساتير الحديثة، وهو نظام الفصل بين السلطات فصلاً مشرباً بروح التعاون، ولكي يتحقق النظام البرلماني الصحيح يجب أن يتوفر شرطان أساسيان هما؛ المسؤولية الوزارية وحق الحل، فمن ناحية نجد السلطة التنفيذية رغم انفصالها عن السلطة التشريعية تسأل سياسياً أمام هذه الأخيرة، كما نجدها رغم هذا الانفصال تستطيع حل البرلمان،  فالفصل مقرر أساساً بين السلطتين ولكل منهما أن تتعاون مع الاخرى، فمن ناحية تقوم المسؤولية الوزارية ومن ناحية يقابلها حق الحل وهما بتقابلهما هذا يحققان التوازن المنشود في ذلك النظام.

ب-ضمانات استقرار النظام البرلماني في سورية

قلنا إن النظام البرلماني هو النظام الذي يجدر الأخذ به في سورية. ولكن نرى، وفي ضوء التجارب التي مرت بها النظم البرلمانية، خصوصاً الظروف التي تعقب الثورات والاضطرابات السياسية، أن النظام البرلماني حتى يستقر أمره، وتستقر كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية، لا بد له من ضمانين اثنين:

الضمان الأول،  كفالة استقرار السلطة التنفيذية، فيجب أن يحاط الحق في نزع الثقة من الوزارة بأوضاع وقيود من شأنها أن تجعل مركز الحكومة غير مزعزع حتى تقوى على تحمل مسؤولياتها في أعمال الاصلاح الواجبة.

الضمان الثاني، كفالة استقرار السلطة التشريعية، فلا يكون البرلمان معرضاً للحل لأتفه الأسباب،  بل يحاط أمر حله بأوضاع وقيود مقابلة لتلك التي توضع للحق في نزع الثقة .

                                                  

عن د.عبد القادر الشيخ

أستاذ دكتور في الحقوق، مدرس في عدد من الجامعات السورية، له عدة مؤلفات في القانون.

شاهد أيضاً

السمات الأساسية للحكم الانتقالي: مع الإشارة إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254

يُعدُّ الحكم الانتقالي نوعاً من الحكم يظهر إلى الوجود كسلطة يفرضها الواقع في الدول التي …